أن تحتفي بشاعر يلزمك أن تكون شاعرا.. ! وهو كذلك.. !
مطر خفيف، هو، وبرد أخف.. تلتحف به الدار البيضاء.. في يومها السبت 29 نونبر 2014، واضعةً وشاح غيومها.. البيضاء.. غيمة غيمة.. سماءٌ هي.. وشاعر هو.. صلاح بوسريف المحتفى به في لقاءٍ ودي وبهي.. يرقى إليه...
على الساعة الرابعة والنصف.. تأخير، هو، بساعة على الموعد المُبرمج للقاء.. بسبب أمطار الخيرات التي تصببتها سماء هذه المدينة.. احتفاء بقدوم شاعرٍ إليها.. محتضنة، هي، له في اللقاء الذي نظمته جامعة المبدعين المغاربة، بمركز التنمية البشرية سيدي مومن.. فرحةٌ، هي، سماء البيضاء إذن !
لكلِّ لقاءٍ.. مقدمةٌ.. ولكل مقدمة كاتب وراءها.. وإن كان هذا الكاتب شاعرا.. صارت المقدمة/ الكلمة، قصيدة/ شعرا.. أبت أو شاءت... هكذا افتتح الشاعر محمد اللغافي اللقاء بكلمة مقتضبة.. مليئة الشاعرية.. هي شاعرية هذا الشاعر.. وماذا عن أن يقدم شاعرٌ شاعرا... ! إلا أن يكون، له، ذلك عبر الشعر..
اللقاء الذي تخللته ورقة ومداخلتين.. أما الأولى فكانت نقدية للشاعر والناقد.. شاعر هو كذلك ! رشيد الخديري.. جاءت ورقته مقتضبة ومُقتطفة من كتابه الجديد (قيد الطبع) حول تجربة، ضيف اللقاء، النقدية والشعرية... اشتكى فيها على قلة المواكبة النقدية للتجارب الشعرية الحديثة الغارفة من التطورية التي تعرفها القصيدة المغربية.. رشيد الخديري الذي يقول حول تجربة صلاح بوسريف " إنَّ َصلاح بوسريف يَفتحُ ذائقتنا الشعرية على بَيَادر منَ الإشكَالات والإيحاءات حولَ الكِتَابَة والقصيدَة والشعر، مُحَاولاً الإجَابَة عنْ أَسْئِلَةٍ " تُعَطِّلُ"- في نَظَره- مشرُوعنَا الشعري العَربي، وتُبْقِي " النهر" الشعري في مَجَرَى واحدٍ، رغم أَنَّ " الإِجَابَة عن هَذهِ الأَسْئِلَة في كُلِّ الأَحوَال تُفضي بِتَعَدُّدِ الدلالات ومُرَاوغَتها، لما فيهِ من انزِيَاحَات في الدلالة، وانحرَافَاتٍ في التِّشْكيل الأسلُوبِي، وهاهُنا الجَمالُ الفَنِّي المُتَوخى الذي يَتْرُكُنَا في ذَائِقَةٍ حَائِرَةٍ لا تُحدد المَعنى المَقْصُود، أَعْنِي أَنَّنَا أَمَامَ جِسمٍ عائمٍ من المَعْنَى".
ذهبت مداخلة عبد الهادي الروضي الذي حضر (كما قال، هو، أول مداخلته !!) لدعم الجامعة !.. انكبت كلمته الصغيرة حول علاقته كشاعر/ قارئ.. شاعر هو أيضا !.. وتجربة الشاعر/ المقروء، صلاح بوسريف.. "تجربة صلاح بوسريف هي تجربة تستعيد جراح تجربة الذات الشاعرة.. في ارتباطها بالتيار السياسي.. الذي سيّج أفق الممارسة الشعرية في الثمانينات، والذي كان نص الوعي الذي يكتب الشعر، آن ذاك.. صلاح بوسريف ينحاز بشكل كلي للكتابة.." كما قال، هو.
الكتابة.. هي... الكتابة، فعلا وممارسة..
الكتبة شعرا ونقدا... أن تكون شاعرا وناقدا.. فأنت أكيد تمارس فعل الفهم والوعي للذائقة.. ومتطلبات القصيدة اليومية.. بالشكل التام..
القراءة.. اكتشاف.
"كل قراءة في تجربة شعرية، ليس لنا الحق في مناقشتها، لأن كل قراءة هي اكتشاف وطريق يفتتحه القارئ أو الناقد أو الكاتب (أو كل شخص يشتغل داخل عالم الإبداع) أمام التجربة المقروءة"، هكذا افتتح هو الشاعر المحتفى به لمداخلته، تعقيبا على ما جاء به كل من رشيد الخديري وعبد الهادي الروضي من الورقة والمداخلة...
هل هو تأنيب خفي؟؟.. كما سيجيء على لسان حال ذ. العقاد (سقط اسمه سهوا)، وهكذا، يضيف، على ما بدأه من كلام، الشاعر صلاح بوسريف: "... والذهاب إلى تراب هذه التجربة.. لأن التربة في حاجة دائمة لقلبها.. فهناك حيوات أخرى أسفلها، في باطن الأرض.. هذه الأرض التي تنتظر المطر (لعله يقصد النقد-أنا أقول !) ليُنعشها.. النقد هو الماء.. ماء يجعل من كل نص حي.. ويهبه حيويته.. إن عملية النقد ليست مدحا لتجربة ما، بل إنها قول ما يجب قوله".. وهي كذلك !.
أما في مداخلته، المداخلة الثانية، فقد ذهب ليؤكد العقاد، نوعا ما، ما جاء أعلى هذه السطور: "صلاح بوسريف.. ليس في حاجة لمن، فقط، يواريه المدح.. بل من يبحث عن أسرار الكتابة التي كتبها ونثرها..".
وعن السياق الذي ظهرت فيه تجربة هذا الشاعر، فكانت القصيدة المغربية تعاني، وقت ذاك، من موجة الكتابة الكاليغرافية.. وكان شعراءها الكبار آن ذاك.. محمد بنيس.. عبد الله الراجع.. وغيرهم كُثر.. وعرفت المرحلة انعدام (لا نقول كلي) بين الجيل السابق واللاحق..
وأضاف العقاد إيضاحا "جاءت مرحلة أخرى.. التفت إليها صلاح بوسريف، وهي مرحلة العودة إلى الذات.. والابتعاد على الشعارات السياسية.. حيث كان لكل شاعر وكاتب بطاقة انتماء لجهة سياسية معينة.. تنفخ فيه ما تنفخ وتضفي عليه ما يستحق وما لا يستحق".
أنهى مداخلته بما معناه، أن تجربة صلاح بوسريف لم يبلغ تلك المرحلة التنظيرية، وإن كانت لا تزال هذه التجربة: علمية، مليئة بالبحث العلمي.. !
فماذا عن كتابه/ رسالة دكتوراه "الكتابة في الشعر العربي المعاصر".. الكتاب الذي كتب عنه الناقد نجيب العوفي قائلا/ كاتبا، في إحدى قراءاته حول هذه التجربة: " ليس هذا الكتاب مجرد كتاب عادي ومألوف عن الحداثة، ينضاف إلى سجل الكتب المهتمة بالشأن الحداثي. بل هو سفر باذخ ومتميز عن الحداثة. وفي الإمكان القول، بلا شطط في القول، بأنه منذ مدة لم يصدر كتاب عن الحداثة في مثل هذه الأهمية والإحاطة والنباهة، والأناقة أيضاً." (...) " ونحن نقرأ الكتابَ ونلج موالجه، كما نقرأ صلاح دائماً، نُحِسّ بما أسماه بارث ‘متعة النص’، حتى وهو يتحرَّك في فضاء مفهومي. إنَّ صلاح الشَّاعر، ساكن في صلاح الباحث."
صلاح بوسريف الذي أبذخ اللقاء ببورتريه/ ورقته الأنيقة، حكائية (إن أردنا القول) حول مساره منذ الطفولة إلى الآني.. في علم الكتابة والقراءة والبحث.. مرورا من الانقطاع على الدراسة وعبورا لمعانات الطفولة.. ووصولا إلى الدراسة في بغداد...
هو شاعر إذن.. ومسافر في دروب النقد.. وباحث.. ومنظر !!..